وهكذا يجد الاستاذ السوداني نفسه مرة اخرى في الشارع ....ولكن هذه المرة بمرارة كبيرة وديون فاقت 3 الاف دينار ؟؟؟؟؟
فمن المسؤول ؟؟؟
paris le 30 novembre...
chère frère le ٍُVERT (لخضر)
comme tu sais, j’ai quitté la Tunisie et j'ai coupé la mer قصيت البحر ) )pour la France .c'est le pain, il faut la suivre ou elle va الخبزة نتبعها وين تمشي )) . Chaque matin ,je vais au travail et je trouve devant moi mon patron fils de chien( ولد الكلبة) , il me l'achète ( يشريهالي )car j'arrive toujours en retards .un jour il a commencé a gueuler sur moi ( يحل في فمة علي ), je lui ai dis :la religion de ta mère ( دين امك),pourquoi tu cris sur moi ( علاش تعيط علي )"؟elle a monté dans ma tête la chienne fille( طلعتلي في راسي بنت الكلب ) ,j’ai pris un bâton et je lui ai enlevé son père ( نحيتله والديه).il m'a renvoyé du travail et maintenant je descends a paris( هبطت لباريس) chercher du travail malgré la pluie qui tire deux fils du ciel.خيطين من السماء)
elle a beaucoup de jour ( عندها برشة) , je suis passé sur mon cousin LUMIERE( تعديت على خويا ضوء) qui bosse comme travailleur de ceinture( خدام حزام) dans un chantier , il m'a dit que sa femme HEUREUSE سعدة) va fabriquer du couscous le dimanche qui viendra .alors j'ai posé la pose( حطيت الحطة) et je suis allé a leur maison .la bas j'ai trouvé une mauvaise odeur car mon cousin ne lave pas ses pieds chaque moi comme moi .après le repas ,j'ai rendu tout( رجعت اللي كليتو) ce que j'ai mangé parce que sa femme a fabriqué un couscous très chaud et moi j'ai l'estomac( عندي المعدة) ,je ne mange pas des piments du pays des esclaves( فلفل بر عبيد).
en ce qui concerne le FCR, c’est une histoire vide( حكاية فارغة), ici les voitures sont chères comme du feu ( غالية نار),en plus je ne travaille pas, donc j'ai la guigne sur moi( مقينية علي) .dis a notre voisine FLEURE( وردة) que je viens en été pour la prendre de son père et que je lui achète une chaussure qui ne va pas la frapper.( صباط ما يضربهاش)
chère frère le VERT( لخضر), ne t'inquiète pas sur moi( ما تقلقش علي) , ton frère ,cinq et jeudi sur lui( خمسة وخميس عليه) , sait photographier son pain( يعرف يصور خبزتو) .mets ton œil sur ta mère( عينك على امك) et la laisse pas malade, portes(خوذها) la au docteur.dis a ma sœur LUNE( قمر) que l'étrangère( الغريبة) qu'elle m'a envoyé au colis postaux, je l'ai mangé et dis a mon frère l'ARABE( العربي) que je lui ai acheté un pantalon qui ne bois pas.( سروال ما يشربش)
Enfin, passe le bonjour a tout le monde et j'espère que dieu nous additionne( ربي يجمعنا) dans une belle heure .rends-moi vite.( رجعلي فيسع)
ton frère ESCLAVE DE DIEU( خوك عبد الله)
ولد بلقاسم ذات صيف من سنة 1956 بقرية دوز من أب فقير كان يبيع قوت عمله إلى الإقطاعيين ملاكي النخيل مقابل حفنة من التمر. عاش الفتى بلقاسم في فقر وخصاصة عيشة سائر أبناء القرية الفقراء المعدمين. كان إبن الطبيعة ينام على هدهدة أرياحها ويستفيق على تنغاء أطيارها وكان كثير الإلتصاق بوالده يصاحبه إلى عمله ناظرا بحزن إلى تلك السواعد المفتولة التي تجدّ لكسب لقمة عيشها بألم وتعب وعذاب. وإضافة إلى ولوع الفتى بجمال الطبيعة الساحر التي إتخذ منها أنشودة حياته ومهرجان أفراحه كان له شاغل آخر فالمطالعة والتجوال في الصفحات المشرقة بعبير القول لشدّ ما يفوق التجوال في أحظان الطبيعة.فقد كان بلقاسم بفطرته مجبولا على التطلّع وذلك لنبوغه ولسجيّته التي كان سلطانها الخيال المجنّح والشعور الهيمان لا العقل العصيّ المتكلّس ، فراحت الأفكار النيّرة تراوده والأحلام الحلوة تهدهده وبدأ وعاؤه ينضج إلى أن إستقرّ به المقام في أواخر السبعينات بمدينة قابس ليلبس البدلة الزرقاء بدلة العمال هذه الطبقة التي إنتمى لها وذاب فيها. ومنذ إستقراره بهذه المدينة الصناعية نرى نشاط الشباب يزداد فيه يوما بعد يوم فينخرط بلقاسم بوعي كامل في الحياة السياسية والثقافية والنقابية بل يصبح أحد العناصر الفاعلة في الساحة .هكذا عشق بلقاسم افكر العمال وحلم بالتحرّر الوطني والإنعتاق الإجتماعي شأن المختار اللغماني .
غير أنّ هذه القرنفلة الحمراء التي أوجدت لنفسها مكانا زمن الشوك قطفت ذات يوم من سنة 2001 وظلّت تذبل وتذبل بسجن 9 أفريل إلى أن إنطفأت ثمالتها في مساء يوم قاتم مدلهم يوم 24 أفريل 2001 (اليوم العالمي للتنديد بالإمبرياليّة) ، غير أن بريق ذاك النبراس قد حلّق في أجواء الخلود حيث "لم يمت من قضى كي تعود البلاد إلى شكلها ويعيد شبابيكها مخبأ للعصافير والأغنيات".
هكذا إنطفأت شمعة بلقاسم بعيدا عن رفاقه وأصدقائه وبعيدا عن قريته التي عشقها فأعادت إحتضانه من جديد وهي التي طالما كانت مصدر إلهام فإستقبلته رمالها الذهبية الوعساء وزفير رياحها التي تحوم في الدجنة وتغنّي للحياة السرمدية في أنشودة الخلود أمّا أشجار النخيل فقد قابلت الفتى المسجّى مشرئبّة الأعناق تتطلّع لما يجول في الغد البعيد ، في هذا الجو الكئيب حملت الجموع الحاضرة من الرفاق والأصدقاء أحزان بلبلها وغطّته في مثواه الأخير موسّدة له زبد اللّجاج وواضعة فوق صدره باقة ورد حمراء من حب لا ينتهي.
من خواطر صديقه ورفيق دربه الدكتور عبد الله بن سعد ( بتصرف) .
نهاية "نهاية التاريخ"! جواد البشيتى : خطة الانقاذ، الذى كان إنقاذاً للمصارف والمؤسسات المالية المنهارة أو التى توشك أن تنهار فأصبح يوصف، ولأسباب أخلاقية، بأنه إنقاذ للنظام المالى أو للاقتصاد، عُدِّلت؛ ولكن بما يسمح فحسب بحفظ ماء وجوه النواب الذين "اُقْنِعوا" بأهمية وضرورة أن يقبلوا بعد رفض شديد، وكأنَّ الفساد فى "وول ستريت" يأبى إلا أن يؤكد وجوده وحضوره فى الكونغرس بمجلسيه، وفى مجلس ممثلى الشعب على وجه الخصوص. الخطة لم تُعدَّل بما يكفى موضوعيا لجعل الرفض قبولا، فإنَّ جزءاً من المال الراكد فى خزائن حى المال فى نيويورك قد انتقل إلى "أيدى المُقْنِعين" ليكسبهم مزيدا من القدرة على "إقناع" غالبية نواب الأمة بقبول ما رفضوه من قبل، ولو كلَّفهم هذا الاستخذاء لمشيئة "وول ستريت" خسارة مقاعدهم النيابية فى الانتخابات التى على الأبواب، فكفة الميل إلى المال رجحت على كفة الميل إلى ميول الناخبين؛ ولم يكن فى هذا من تطاول على مبادئ السوق السياسية الحرة، التى انتعشت فى مجلس النواب فى وقت اشتد كساد الأسواق المالية. كلكم سمعتم نباح "الجمهوريين" من عبدة أوثان السوق الحرة ضد الخطة بوصفها تفتح الباب على مصراعيه أمام تدخل "الدولة" فى الاقتصاد حتى أن أحدهم تساءل فى دهشة وغضب واستياء قائلا: "كيف لنا أن نتدبر أمورنا فى نظام اقتصادى أصبح خليطاً من الرأسمالية والاشتراكية؟!"؛ ولكننا لم نسمع، ولن نسمع، أحداً من النواب يعترض على هذا التدخل السافر من مفلسى النظام المالى "والاقتصادي" المفلس، فى "الدولة"، التي، فى أوقات الضيق والشدة على وجه الخصوص، تظهر على حقيقتها الطبقة العارية. لقد استحق ميلتون فيدمان جائزة "نوبل" للاقتصاد لاختراعه عقيدة "الرأسمالية الجديدة" التي، أى تلك "الرأسمالية الجديدة"، بدت، فى رُبْع قرن من الزمان، حقيقة اقتصادية ـ اجتماعية واقعة وراسخة، فإذا بمهدها فى "وول ستريت" يصبح، بين عشية وضحاها، لحداً لها؛ أمَّا وزير الخزانة هنرى بولسن، مُخْتَرِع خطة الإنقاذ، والذى تحت رقابة شكلية من الكونغرس سيتولى إنفاق المبلغ المالى الضخم "700 بليون دولار" للإنقاذ، فلن ينال جائزة مماثلة، ولسوف يدخل التاريخ بوصفه العطار الذى حاول إصلاح ما أفسده الدهر. وإذا أردتم توقُّعاً تأتى نتائج تنفيذ الخطة بما يقيم الدليل على صوابه فإنَّ هذا التوقُّع "المتسرِّع" هو أنَّ الخطة لن يكون لها من النتائج العملية إلاَّ ما يصلح دليلاً مفحماً على أن قطار الانهيار قد انطلق بلا كوابح، متخطياً، بالتالي، نقطة اللاعودة، ولن توقفه كل صلوات كاهن البيت الأبيض، الذى أبى إلا أن يودِّع شعبه بكذبة هى الكبرى إذ قال إنَّ الموافقة، أى موافقة الكونغرس على الخطة، قد ساعدت فى منع أصداء الأزمة من أن تتردد فى أنحاء البلاد كافة. وفى ما يشبه الاعتذار والتعليل فى آن تحدَّث المفلس السياسى الأكبر عن تدخل الدولة بوصفه الضرورة التى أباحت المحظور، فالدولة إنْ تدخلت فيجب أن يأتى تدخلها بما يمكِّن السوق الحرة من أن تبقى حرة إلى الأبد. وحتى لا يكون من مبرِّر للمحاسبة قبل مغادرته البيت الأبيض حذَّر بوش، الذى يستحق لقب "نيرون روما الجديدة"، من مغبة الظن بأنَّ تأثير الخطة فى الاقتصاد سيكون فورياً. مشروع القانون، أو الخطة المعدَّلة، والذى حظى بموافقة الكونغرس بمجلسيه، عبر فنيِّ "الإقناع" و"الإكراه"، أصبح قانوناً نافذاً إذ وقَّعه غورباتشوف البيت الأبيض، وكأنه ينعى "الرأسمالية الجديدة"؛ ولسوف يبدأ عمَّا قريب "الضخ"، فنحو 700 بليون دولار "من أموال الشعب" ستسرى فى شرايين "وول ستريت" لمساعدة المُقرضين "الفاسدين الجشعين ضيِّقى الأفق الاقتصادي" على إسقاط أصول عقارية متعثرة من دفاترهم، لعلَّ هذا الإجراء، الذى يشبه صلوات كاهن فى مواجهة صاعقة انقضت عليه من السماء، يعيد البسمة إلى وجه حى المال الذى فيه من الموت أكثر بكثير مما فيه من الحياة. لو سُئِل المصابون بمرض البلاهة الاقتصادية مِمَّن يتقنون لعبة الأوراق المالية فى دار القمار العظمى، المسماة "وول ستريت"، عن ماهية وحقيقة الأزمة لأجابوك على البديهة قائلين إنَّها "أزمة إقراض"، أو "أزمة نقص أو شُحٍّ فى السيولة"، فإذا ما أتى الساحر بولسن بما يجعل النقص "فى السيولة فى المصارف" وفرة فإنَّ الحل سيُبَرْعم لا محالة فى أحشاء الأزمة، وستتماثل "وول ستريت" من الجلطة التى أصيبت بها، وكادت أن تودى بحياة الاقتصاد برمته. إنَّه ضيق الأفق الاقتصادى لليبراليين الجدد، والذى ورثوه عن الليبراليين القدامى، يظهر ويتأكد من جديد، وفى أوقات الأزمات على وجه الخصوص، فعقولهم هى التى فى أزمة، قوامها أزمة عجز مزمن عن تمييز الأعراض من الأسباب، فسبب الأزمة "والذى هو فى حقيقته عرض من أعراضها" يكمن، على ما يزعمون، فى أنَّ المصارف أصيبت بغتة بمرض "الإمساك عن الإقراض"، فهى كفَّت عن "أو تشدَّدت في" إقراض بعضها بعضاً، وعن إقراض الشركات، وعن إقراض الأفراد، فكيف لاقتصاد يقوم على "الاسترقاق الدَّيْنى الأبدي" للأفراد والشركات أن يستمر فى الحركة إذا ما أحجمت المصارف "أو محطات الوقود الاقتصادي" عن تزويده وقوداً، هو كناية عن القروض؟! لقد سألوا تاجراً صغيراً مفلساً "لماذا أفلست؟"، فأجاب على البديهة قائلاً: "لأنَّ بضاعتى لم تَجِد فى السوق مشترٍ لها"؛ وكفى الله هذا التاجر الصغير ضيِّق الأفق شرَّ التعليل والتفسير، وكأنَّ السؤال الآتى وهو "لماذا لم تَجِد بضاعتكَ مشترٍ لها؟" يجب ألاَّ يوجَّه إليه؛ لأنَّ إجابته من اختصاص الفلاسفة أو المنجِّمين! الأزمة فى أعراضها إنَّما هى أزمة إقراض، أى أزمة إحجام عن الإقراض؛ أمَّا فى أسبابها، التى يفضِّلون النأى بأبصارهم وبصائرهم عنها، فهي، فى المقام الأول، أزمة "عجز عن السداد".. عجز لم يصب الأفراد من ذوى الدخل المحدود فحسب، وإنَّما أصاب الشركات، فهل هذا العجز عن السداد ظاهرة من ظواهر "الاقتصاد الورقى "المالي"" أم أنه يضرب جذوره عميقاً فى "الاقتصاد الحقيقي"؟! رجل البورصة، وهو من المصابين بمرض البلاهة الاقتصادية أكثر من سواه من رجال النظام الرأسمالي، لا يرى حركة الصناعة والسوق العالمية إلاَّ فى الانعكاس المقلوب رأساً على عقب لسوقى النقود والأوراق المالية، فالنتيجة فى نظره تغدو سبباً. إنَّه، وعلى جارى عادته، يحاول تفسير كل ظواهر الأزمات الاقتصادية "فى الصناعة والسوق العالمية وفى سائر حقول الاقتصاد الحقيقي.. اقتصاد السلع والخدمات" على أنَّها نتيجة للأزمات فى سوق النقود، ضارباً صفحاً عن حقيقة أنَّ الأزمات فى سوق النقود والأوراق المالية ليست، على وجه العموم، سوى انعكاس لأزمات فى عمق الاقتصاد الحقيقي. نقول "على وجه العموم"؛ لأنَّ الاستقلال النسبى والمحدود لعالم "وول ستريت" عن عالم الاقتصاد الحقيقى للولايات المتحدة، وللعالم أيضاً، يجعل له أزمات خاصة به؛ ولكنَّ هذه الأزمات الخاصة بـ "الاقتصاد الورقي" لن تكون أبداً فى حجم يعدل حجم الأزمة التى عصفت بـ "وول ستريت"، فالفرق فى الكمِّ هنا لا يمكن فهمه وتفسيره إلا على أنَّه فرق فى النوع فى الوقت عينه. منذ زمن طويل انفصلت تجارة النقود "وتجارة الأوراق المالية كالسندات والأسهم" عن صناعة وتجارة البضائع؛ ومع نمو الرأسمال المصرفي، وتعاظم تركُّزه، ما عادت المصارف بـ "الدائن السلبي" الذى يقبض الفوائد وينتظر استرداد قروضه، وكأنَّ بين المصرف والصناعة برزخ لا يبغيان. لقد تغلغل الرأسمال المصرفى فى الصناعة، فعرف الاقتصاد الرأسمالى ظاهرة سطوة "الرأسمال المالي"، أى هذا التداخل والتزاوج بين الرأسمال المصرفى والرأسمال الصناعي. واحسب أنَّ أباطرة المال فى "وول ستريت" ليسوا فى حاجة إلى من يأتيهم بالدليل على أنهم أباطرة أيضاً فى "الاقتصاد الحقيقي"، كالصناعة والتجارة والخدمات، فالمصارف إنَّما هى فى المقام الأول مصارف لشركات صناعية كبرى، والشركات الصناعية الكبرى إنَّما هى فى المقام الأول شركات صناعية لمصارف كبرى. فى قمة الهرم الاقتصادى لـ "الرأسمالية الجديدة" فى الولايات المتحدة نرى زمرة مالية تحكم قبضتها ليس على المصارف والمؤسسات المالية الأخرى كشركات التأمين فحسب وإنَّما على الشركات الكبرى فى الصناعة والنقل والتجارة، وفى قطاع الخدمات، وفى ما يسمى "الاقتصاد المعرفي". وقد رأينا الآن، وفى عيون لا تنال الأوهام الإيديولوجية من قوَّة إبصارها، أنَّ هذه الزمرة، وفى أوقات الضيق والشدة على وجه الخصوص، هى "الرقبة الاقتصادية" التى تحرِّك "الرأس السياسية"، التى هى الآن كناية عن بوش وماكين وأوباما وبولسن والشيوخ والنواب فى الكونغرس. المبلغ "700 بليون دولار" على ضخامته لا يعدل سوى 5 فى المائة من قيمة الرهون العقارية فى الولايات المتحدة؛ وضخِّه فى المصارف والمؤسسات المالية المفلسة، أو التى قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، لن يعالج الأزمة؛ لأنَّ جوهر الأزمة يكمن فى أنَّ المال ما أن يخرج من المصرف، على شكل قرض يُمْنح لفرد أو شركة، حتى تصبح عودته إلى المصرف من علم الغيب، وكأنَّ عبارة "خرج ولم يَعُد" هى خير وصف لحاله. ولقد أحسن الوصف ذاك الذى قال إنَّ ضخ مبلغ 700 بليون دولار فى شرايين "وول ستريت" يشبه، لجهة نتائجه وعواقبه، أن تنقل دم لمريض ينزف دماً. إنَّ "وول ستريت" تشبه الآن كومة من الأوراق تحترق، فهل يُطفأ الحريق إذا ما ألقيت فيه 700 بليون ورقة جديدة؟! وإنَّها، فى تشبيه آخر، كنارٍ يريدون إطفاءها بصبِّ مزيد من الزيت عليها، والذى هو كناية عن ذلك المبلغ المالى الضخم. قبل أن تضخَّ، ومن أجل أن تضخَّ، هذا المبلغ المالى الضخم فى شرايين النظام المالى ينبغى لك أوَّلاً أن تعالج العلة "البنيوية" من خلال إجابة السؤال الآتي: لماذا أصيب الأفراد والشركات بداء العجز عن سداد ديونهم؟ الفرد من ذوى الدخل المحدود، أى غالبية المواطنين، ما عاد يملك، بسبب الغلاء النفطي، والغلاء العام، من القدرة الشرائية الفعلية ما يسمح له بالعيش وبتسديد القرض فى الوقت نفسه. من قبل كان المواطن هناك، أى فى فردوس "الرأسمالية الجديدة"، لا يستطيع العيش إلاَّ ببطاقات الائتمان وبالقروض، وكأنَّ "الاسترقاق الدَّيْنى الأبدي" هو قدره الذى لا مهرب منه. أمَّا الآن فما عاد فى مقدوره دفع الفوائد وتسديد القرض، وما عاد لديه من حلِّ، أو خيار، سوى التسليم باغتصاب المصرف لمنزله. والشركة، التى لا تعيش إلاَّ بالدَّيْن هى أيضاً والتى يذهب جزء كبير من ربحها إلى المصرف على شكل فائدة مصرفية، نفدت قدرتها على دفع الفوائد وتسديد القرض؛ لأنَّ مبيعاتها، فى السوقين الداخلية والخارجية، فى تراجع مستمر ومتزايد على الرغم من تراجع قيمة الدولار. وهذا وذاك إنَّما يعنيان أنَّ سلعة "قوَّة العمل" والسلعة الصناعية قد أصيبتا بـ "الركود"، فكلتاهما، إنْ بيعت، تباع بسعر يقل كثيراً عن قيمتها الحقيقية، فكيف للديون، بعد ذلك، وبسبب ذلك، أن تُدْفَع فوائدها، وأن تُسدَّد للمصارف؟! قديماً، كنَّا نرى "العصامية الاقتصادية" فى طرفى النظام الرأسمالي، أى فى العامل ورب العمل، فذاك يعيش بأجره فحسب، أى بلا دَيْن، وهذا يملك كل ربح شركته تقريباً، ويعيش مع شركته بلا دَيْن. ثمَّ انتهت السوق الحرة إلى عاقبة "اضمحلال وتلاشى العصامية الاقتصادية"، فحلت محلها "عبودية الدَّيْن"، وكأنَّ الأسياد فى روما القديمة قد بعثوا أحياء، ولكن على هيئة زمرة مالية فى "وول ستريت"، عاصمة "روما الجديدة"، تستعبد بالديون الأفراد والشركات. والآن، شرعوا يتحرَّرون من "عبودية الدين"؛ ولكن ليس من خلال تسديد القروض، والعودة إلى "العصامية الاقتصادية"، وإنَّما من خلال تنامى عجزهم عن السداد. لقد ألَّهوا مبدأ "دعوا السوق تعالج أزماتها بنفسها "أى من دون تدخل الدولة"" حتى استعبدهم هذا المبدأ، وأعمى أبصارهم وبصائرهم عن رؤية الحقيقية الاقتصادية ـ التاريخية الكبرى، وهى أنَّ سقوط "وول ستريت" لا يعنى سقوط بضعة مصارف وإنَّما سقوط النظام الرأسمالى برمته، فتَرْك الأمر الآن لقوى السوق لن يؤدِّى إلى تمكين السَمَك الكبير "من الشركات" من ابتلاع السَمَك الصغير؛ ذلك لأنْ ليس من "سمكة كبيرة" الآن غير "الدولة"، التى يكفى أن تربأ بنفسها عن "الابتلاع" حتى تسقط مع سقوط "وول ستريت"، ويتولَّى "التاريخ" عنها إنجاز المهمة. فى الزمن الإقطاعي، كانت الكنيسة هى المالك العقارى الأكبر؛ أمَّا فى "نهاية التاريخ"، والتى لا معنى لها الآن إلاَّ إذا كانت نهاية لتاريخ "الرأسمالية الجديدة"، وبين عشية وضحاها، فقد أصبحت "الدولة"، "دولة بوش ـ بولسن"، هى المالك العقارى الأكبر، إذ تملَّكت العقارات المرهونة. فى زمن يقاس بالساعات فحسب، بحسب "ساعة التاريخ"، نُزِعت ملكية العقارات من أيدى أصحابها الشرعيين، أى المواطنون العاجزون عن دَفْع الفوائد وسداد القروض، لِتُصبح فى أيدى أباطرة المصارف المنهارة؛ ثمَّ نُزِعت، عبر أموال خطة الإنقاذ من أيدى هؤلاء لتُصْبح فى أيدى "الدولة"، "دولة الرأسمالى الجماعي". الأشهر المقبلة لن تكون زمناً لعلاج يأتى بالشفاء، وإنَّما زمن لوقوع اقتصاد الولايات المتحدة فى كسادٍ متنامٍ، فـ "الإنقاذ الحكومي" الذى رأيْنا أوَّل الغيث منه فى مصارف "وول ستريت" ومؤسساتها المالية قد نراه ينتشر فى الصناعة، وكأنه النار إذ وجدت فى الهشيم مرتعاً لها، فالمصرف إنْ هوى لن يهوى وحده؛ ذلك لأنَّ التداخل الرأسمالى بين المؤسسات المالية والمؤسسات الصناعية لا يسمح للسقوط إلاَّ بأن يكون واحداً مشترَكاً. وربَّما يكتمل هذا الانهيار معنى إذا ما فهمناه على أنَّه بداية انهيار أيضاً للمرابى اليهودى شايلوك، فإنَّ "وول ستريت" هى مملكة الرأسمال الربوى اليهودي، الذى ببدئه الانهيار شرع يؤسِّس لانهيار المملكة الأنجلو ـ سكسونية فى "الرأسمالية"، وفى "العولمة". لِتَكرهوا "اليهودية الربوية".. ربَّما هذا هو ما توصى به "وول ستريت" وهى على فراش الموت! إنَّه يوم كيوم الحشر، فلا قول يصح فيه إلاَّ القول الخاطئ الآن وهو "اللهم نفسي"، فالريح العاتية التى هبَّت من "وول ستريت" يمكن أن تتسبَّب فى تمزيق الاتحاد الأوروبي، فـ "الدولة القومية"، وألمانيا على وجه الخصوص، هى الآن كالذهب فى زمن انهيار النقود الورقية. إنَّهم يعتصمون بـ "القلعة القومية" ولو كانت العاقبة هى تصدُّع وانهيار "القلعة الأوروبية".. ولكن الاحتماء بـ "زورق الدولة القومية" هو الآن الطوباوية بعينها، فالعالم، كل العالم، أمَّا أن يتقدَّم معاً، وإمَّا أن يتراجع معاً، فالرأسمالية، والحق يُقال، أكملت رسالتها التاريخية على خير وجه، وكأنَّها تقول لعدوها اللدود كارل ماركس لقد صدقت إذ قلت: إمَّا أن يتعاون العالم كله على التأسيس لنظام اقتصادى ـ اجتماعى جديد يتخطى الرأسمالية وإمَّا أن تتقهقر البشرية إلى عهود الوحشية. الآن، سقط الفكر المسمى فكر "الرأسمالية الجديدة"، أو فكر "الليبراليين الجدد"، والذى بلغ منتهاه فى فكرة "نهاية التاريخ"؛ ونحن لو أمعنا النظر فى تاريخ سقوط الإيديولوجيات لاكتشفنا أنَّ النُظُم الاقتصادية ـ الاجتماعية تسقط فى مملكتها الفكرية قبل أن تسقط فى مملكتها الواقعية، فالذى أفلس فى "وول ستريت" لم يكن بضعة مصارف وإنَّما فكر "الرأسمالية الجديدة" ذاته، فمن يجرؤ بعد هذا الذى وقع، ويقع، على الادِّعاء بأنَّ ولادة "الرأسمالية الجديدة" هى "نهاية التاريخ"؟! كاتب وإعلامى أردني |