الثلاثاء، 6 مارس 2012

نظام الحكم بين الشريعة والعلمانية د نضال عبد القادر صالح


(ملخص من كتاب المأزق في الفكر الديني بين النص والواقع

صادر عن دار الطليعة بيروت ط 1/ 2006)

الخلاف حول نظام الحكم الذي يجب أن يكون للعالم العربي والإسلامي موضوع حوار ساخن منذ زمن بين دعاة الفكر الديني والسلفي وبين دعاة الحداثة .بين اعتبار الشريعة مصدرا وحيدا للحكم وبين اعتبار النصوص الوضعية مصدرا أساسيا للتشريع .وان كان بعض رموز الفكر الديني يحاولون إيجاد طريقة تلفيقية بالدعوة إلى قبول بعض الوسائل الديمقراطية مثل الانتخابات البرلمانية كوسيلة للوصول إلى الحكم وهذا الاتجاه يوقع نفسه في مأزق ذاتي فهو في الوقت الذي يؤمن فيه بالحاكمية يحاول أن يخرج من الأزمة الحضارية للمجتمعات الإسلامية بصبغ فكره ببعض ألوان الحداثة ولكنه يظل جزءا لا يتجزأ من المنظومة الفكرية السلفية التي تدعو إلى تطبيق الشريعة باعتبارها المصدر الوحيد للحكم وان كان السلفيون هم أكثر صدقا من هؤلاء على الأقل هم صادقون مع أنفسهم وفكرهم.و في الحقيقة لا وجود سوى لطريقين لا ثالث لهما :إما طريق الشريعة أو طريق القوانين الوضعية.

طريق الشريعة :

اعتبار الشريعة مصدرا وحيدا للتشريع في النظام السياسي يوقعنا في تناقضات ويمنعنا من اختيار أو رفض ما يلائمنا وما لا يلائمنا لان الشريعة هي كل لا يتجزأ بغض النظر عن اتجاهاته وألوانه .للأسباب التالية :

· إن بالحاكمية لله وحده وبما أن الله لا ينزل إلى الأرض ليحكم من خلال النصوص الدينية فان الحاكمية تنتقل بدورها إلى حاكمية النصوص الدينية ممثلة بالقران والسنة والسلطة الوحيدة التي أعطت نفسها حق القيام بتفسير هذه النصوص هي السلطة التي يمثلها رموز الفكر الديني أو من يسمون أنفسهم" العلماء " وبهذا فان الحاكمية تنتهي في الحقيقة إلى حاكمية رجال الدين أو القائمين على الفكر الديني .

· سلطة قداسة السلف فالصحابة وتابعوهم كلهم في نظر الفكر الديني إجلاء مكرمون لا يجوز المساس بهم أو نقد سلوكهم وتصرفاتهم وكل ما صدر عنهم من أقوال وأفعال يعتبر متمما للنصوص الدينية الأصلية :القران والسنة.

· الخلافة الإسلامية بمفهومها التاريخي واجبة والخلافة بما فيها الأموية والعباسية هي خلافة إسلامية شرعية.

· صحة أحاديث الرسول المدونة أي المدونة الصحاحية مدونة رسمية مغلقة ومن يشكك فيها أو في بعض منها يخرج عن الملة.

· أزلية النص ألقراني وقدمه .فالنص ألقراني في نظر السلف هو كلام الله القديم وصفة ذاته قديمة أزلية.ولا علاقة بين النص والواقع المخاطب ولا يرتبط إنزاله بالوقائع التاريخية فهو موجود قبل التاريخ البشري .فالآية القرآنية "تبت يدا أبي لهب و تب " مثلا نص قديم أزلي ظهر أو انزل بمناسبة إيذاء أبي لهب لنبينا الأكرم ولم يكن نزوله بسبب ذلك.

بالنتيجة: مبدأ الحاكمية يعني أن التشريع وإصدار القوانين والتحليل والتحريم والأمر والنهي كلها لله وحده وليس لمخلوق سواء أكان فردا أم جماعة أم امة أم شعبا أدنى نوع من أنواع المشاركة في هذه الحقوق.وهذه الحاكمية تعني في التحليل الأخير الاحتكام إلى النصوص الدينية .والسلطة الوحيدة في نظر هذا الفكر القادرة على القيام بمهمة تفسير النصوص واستنباط التشريع اللازم من تحريم وتحليل وأمر ونهي هي السلطة التي يمثلها رموز الفكر الديني أو من يسمون أنفسهم علماء ..أي أن الحاكمية تنتهي في الحقيقة إلى حاكمية نخبة من الرجال سمحت لنفسها بان تنطق باسم الخالق وان تكون ممثلة له على الأرض.ورغم إصرار أنصار هذا الفكر على إنكار الكهنوت أو السلطة المقدسة في الإسلام فان واقع الحال يبين عكس ذلك .فقد تحول رجال الدين إلى طبقة من الكهنوت تدعي امتلاكها الحقيقة الإلهية والحقيقة المطلقة عن الإسلام وهي جاهزة دوما لتجهيل الخصوم وتكفيرهم إن لزم الأمر و لا تقبل الاختلاف في الرأي إلا ما كان في الجزئيات البسيطة .

إذن ف مبدأ الحاكمية يرفض الديمقراطية بصفتها حكم الشعب الذي هو مخالف لحكم الله لان التشريع والتحليل والتحريم والنهي لله وحده الذي له ملك السماوات والأرض وليس لمخلوق سواء كان فردا أو جماعة أو امة أو شعبا أدنى نوع من أنواع المشاركة.و الديمقراطية بهذا المعنى كفر إذ لا سيادة إلا لله وحده.إن النظام الديمقراطي في نظر الفكر الديني ما هو إلا صورة من صور نظام حكم الطاغوت وليصح إيمان إنسان ولا يصح له إسلام إلا إذا كفر بالطاغوت أي كفر بالديمقراطية.وعليه فان لفظ مسلم وديمقراطي لا يجتمعان في شخص واحد أبدا.والحكم الإسلامي يعطي جماعة من المسلمين المؤهلين(أهل الحل والعقد) الحق في أن يضعوا النظم الإدارية التي يرونها أصلح وانفع وأكثر خيرا.

و رغم الاعتراف بان النظام الديمقراطي قد اقر بعدد غير قليل من الحقوق والحريات إلا أن ذلك يعتبر لمع بريق زائف في أعين كثيرين ممن لا يملكون المعرفة الصحيحة بالنظام الديمقراطي وانه من الأمور المنكرة جدا أن نسمع من يقول "أن الديمقراطية من الإسلام" أو من يقول"الديمقراطية الإسلامية" أو ما يشبه ذلك من الأسماء الملفقة من كلمة الحق وهي الإسلام .وباختصار شديد علينا أن ندرك وان نؤمن بأنه "لا ديمقراطية في الإسلام" وان "أصول الديمقراطية وجذورها إنما هي أصول وجذور الحادية كفرية".[1]

طريق القوانين الوضعية أو النظام المدني :ويسمونه أيضا العلماني :هو النظام الذي يدعو إلى فصل الدين عن السياسة وليس إلغاء الدين كما يروجون ..انه رفض الدين كمؤسسة أو رفض مأسسة الدين لان الدين هو إحساس طبيعي فطري في الطبيعة البشرية كما يذهب إلى ذلك اغلب الفلاسفة وعلماء الانثربولوجيا ( انظر أبحاث مرسيا الياد و يونغ ووليم جيمس ورودولف اوتو ...) إذن الدعوة إلى العلمانية ليست لفصل الدين عن الحياة والمجتمع بل لفصل المؤسسة الدينية عن الدولة والحكم ...فلمؤسسة الدينية "كيان مصطنع مفروض على الحياة الدينية وان ظهور هذه المؤسسة وتطورها كان مرهونا بظروف تعقد الحياة الاجتماعية ولم تكن في يوم من الأيام عنصرا لا غنى عنه للدين.المؤسسة الدينية هي ظاهرة جديدة مرتبطة بحضارة المدينة وبمدى تطور البنى والمؤسسات الاجتماعية والسياسية في مجتمع المدينة وهو المجتمع الذي تشكل أول مرة في المشرق العربي القديم ..ومن ناحية أخرى تثبت المصادر التاريخية أن سومر شهدت الارتباط الوثيق والمتزامن بين تطور المؤسسة الدينية وتطور المؤسسة السياسية فقد جمع ملوك سومر بين السلطتين الزمنية والروحية والملك السومري كان يحمل لقب "إن" الذي يعني الملك بالمعنى السياسي والكاهن الأعلى.[2]

العلمانية إذن لا تحارب الدين كعاطفة أو إحساس أو عبادة بل كمؤسسة توظف في ماهو سياسي..وهذا ماقام عليه الفكر التنويري في أوروبا ..فهي تضمن حرية المعتقد بما هي حرية شخصية و أقرت ذلك في مواثيق حقوق الإنسان منذ إعلان الفرنسي 1798 إلى الإعلان العالمي 1948 ..وهي تجمع المؤمن والملحد على حد السواء في نظام سياسي واحد رابط الجمع بينهما هو" المواطنة" .

غير أن العلمانية متى تحولت إلى إيديولوجيا تتحول بدورها إلى دين جديد يؤسس بدوره لنظام شمولي كما في حال بعض الأنظمة الاشتراكية أو القومية التي عادت الدين كعقيدة..وهو ما وقعت فيه بعض الأنظمة العربية التي ادعت العلمانية ...فالاستبداد والقهر عندما يسد منافذ الفكر الحر لا يترك غير منفذ واحد مفتوح هو الهرب إلى الدين والنتيجة أن الاستبداد والقهر وحجز الحريات الفكرية والسياسية هي اكبر خادم للنزعات الدينية الأصولية في المجتمعات العربية.



[1] انظر محمد شاكر الشريف :حقيقة الديمقراطية الرياض دار الوطن للنشر 1412 و عبد المجيد بن محمود الريمي خمسون مفسدة جلية من مفاسد الديمقراطية الرياض دار الغيث 1414 و سيد قطب معالم في الطريق القاهرة مكتبة وهبة 1968 ص 59/81 والإمام الخميني الحكومة الإسلامية بيروت دار الطليعة 1979 ص 91/103.

[2] فراس السواح :دين الإنسان ص 42/43.

الجمعة، 20 جانفي 2012

ملتقى المدونين في مهرجان الصحراء الدولي بدوز في الدورة 44



على هامش المهرجان الدولي للصحراء بدوز في دورته 44 انعقد ملتقى للمدونين نظمه المهرجان بالتعاون مع بعض المدونين الناشطين مثل كريم بنعبدالله وشهاب بن نصر وسفيان الشورابي وعزيز و كلاندو وبرباش وابوناظم وادم والمدون الجزائري بعلوج ...تابعه جمع من الناشطين على الشبكات الاجتماعية ... انتهى الى ضرورة تبني اصدار نشرية وعقد ملتقى موفى جانفي ينظر في امكان اصدار ميثاق شرف المدون و تنظيم التدوين ....

السبت، 30 جويلية 2011

وقيت باش نقول رأيي ...


ما لم يفهمه كثير من نخبنا ومناضلينا ان انتخابات المجلس التاسيسي ليس خيارا حزبيا او سياسيا لتيار بعينه بل هو خيار اساسي للشعب التونسي الذي انجز عملا بطوليا وصار حدث 14 جانفي ملكية تاريخية لشعب تونس نسجت على منواله شعوبا اخرى...وهذه حقيقة..والذين يقرؤون التاريخ بعين نصف مفتوحة لايرون هذه الحقيقة للاسف...بل يقيسون الحدث على معايير فكرهم ويقولبونه وفق احداث ماضية وكانهم لا يعيشون الحدث او لم يشاركوا في الثورة ؟؟؟؟ اعلم ان اغلبهم شارك في اضراب 14 جانفي واعتصام القصبة 1 و 2 لكنهم عاشوه بفكر انغلق على نصوص وجب تحيينها وفق منهج مادي علمي يجعل من الحدث ليس مجرد اخبار بل فعل /براكسيس نفهم الاني فيه والاسترتيجي ...فكيف يتهم اغلب الشعب التونسي ومناضليه بالسعي الى البرلمانية ؟؟؟وكيف ننجز مبادىء ثورتنا ان لم نبدا ببرلمان وطني وديمقراطي شعبي حقيقي؟؟وكيف نميز في البرلمان بين المشروع الحداثي والمشروع السلفي ؟؟وكيف نميز داخل البرلمان بين اعداء الشعب الحقيقيين والوهميين ؟؟؟ هل سنرمي بالاصلاحية كل من ينادي بمجلس تاسيسي لجمهورية نريدها ديمقرطية شعبية حداثية ؟؟ الم تكن تلك مطالب شباب القصبة 1 و 2 ؟؟ ان ما انجزته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رغم نواقصه جيد جدا ورغم محاولات تثبيط عزائمها من اطراف لم يعد يخفى على احد اجنداتها السياسية الا انها نجحت في ارساء قانون انتخابي توافقي جيد؟؟وان كانت عبارة توافق لا تعجب كثيرا اصدقائنا الانتقاديون؟؟ولكن لنمضي الى الامام لم يعد مجال الان للعودة وكل محاولة تراخي او عرقلة باي عنوان كان هي اسهام في الثورة المضادة ....
كيف نستطيع ان نفعّل التسجيل في القوائم ولم يعد من المدة الا قليلها؟؟؟والحلول كثيرة على الهيئة ان تأخذ بها سواء الاتصال المباشر بالمواطن او التسجيل عن طريق الارساليات القصيرة او الانترنت او عبر برنامج متلفز متواصل على شاكلة تليطون او اعتماد قاعدة بيانات القوائم القديمة وتحيينها في كل مركز انتخابي عبر من انتخبته الهيئة العليا والامثلة كثيرة ...لا اعتقد انه ثمة مشكل بالنسبة للتسجيل ولزمن التسجيل فهذا امر نسبي وبالامكان تمديده كيفما شئنا ...
ان الاهم من ذلك في اعتقادي انصراف النخبة السياسية المناضلة والحداثية الى الاتصال بالجماهير وتقديم برامجهم وتوحيد تصوراتهم لان هذه النخب باعتقادي هي التي تملك البديل ...والتي ليس لها ما تتوجه به الى الناس سوى ما ثبتت عليه من مبادئ الدفاع عن حقوق الناس والانحياز الفعلي للجماهير لا يصنعه المال السياسي فالتونسيون لهم من الوعي ما يجعلهم في حصانة عن شراء الذمم ؟؟؟؟؟ والا ما معنى ان يتقدم حزب سياسي ببرامج يشهرها على جرائده عن قوافل طبية في القرى والارياف النائية اليس هذا ما كان يفعله التجمع لاسكات المطالبين بخارطة صحية جهوية عادلة ؟؟او بزواج جماعي او اسكات العاطلين بمنح ورواتب لاتتجاوز 200 د الم يكن التجمع يفعل ذلك لصرف انظار الناس عن التنمية العادلة وغلاء المعيشة ؟؟ وقد نسمع قريبا عن موائد افطار وهدايا العيد وخروف الاضحى والتضامن مع الأُسر الفقيرة بمناسبة العودة المدرسية ووو؟؟؟
هذه حلول ترقيعية مجها المجتمع التونسي وصار يعرف انها شراء ذمة ولم تعد ذممنا للبيع او المبادلة ؟؟؟
نطالب الاحزاب ببرامج حقيقية ؟؟؟ فالبرلمان الحقيقي هو الشعب؟؟ومن يمثل الشعب ومطالب الشعب وحده له الحق ان يكون في المجلس التاسيسي ..







الخميس، 5 ماي 2011

من حرية التفكير الى حربة التكفير


شهدت معاهد تونس و كلياتها و شوارعها، منذ فترة تناميا عجيبا لأصوات تكفير للأساتذة و تدخل سافر في حريات الأفراد الشخصية: من ملبس و مشرب.... خرج من "كتب التاريخ" جنس من بشر خلنا أنهم قد اختفوا منذ زمان من هذه البلاد الطيبة. لقد أحيت ثورة تونس "ثورة الحرية" آمالا عذابا، و أوقدت شعلة متوهجة و فتحت أمام شعب تونس، و نخبه و مناضليه بابا مشرعا على الحرية. لقد راكم شعب تونس تاريخا من المكتسبات-على محدوديتها- جعله من أكثر الشعوب تعلما، و تحررا ذهنيا و سلوكيا. ففي التعليم، عرفت بلادنا منذ نهاية القرن التاسع عشر، فصلا بين التعليم "العصري" و التعليم التقليدي، بل إن طلبة الزيتونة رغم الطابع المحافظ الغالب عندهم، ناضلوا في جمعية صوت الطالب الزيتوني، من أجل إصلاح التعليم فيها، و تحديثه، و ليس عجيبا و الحال تلك، أن يكون من الزيتونيين رموز الإصلاح الديني و الاجتماعي و أهم الطاهر الحداد. و تكرس هذا الانحياز، لقيم الحداثة، في مدرسة ما بعد 1956، فعلى ما كان فيها من نقائص، تمكنت المدرسة التونسية عكس كل نظيراتها العربية،من أن تفرز جيلا مثقفا متفتحا على قيم الحداثة و التقدم، و صار الاهتمام بمنجزات العلوم الإنسانية و مناهجها النقدية الوضعية أمرا شائعا عند أبسط التلاميذ و الطلاب فما بالك بالأساتذة و الباحثين. و قد حاضر في جامعاتنا أبرز الأساتذة في الفلسفة و علوم الاجتماع و الإنسانيات و الحضارة و الأدب من أمثال: ميشال فوكو، و عزيز العظمة و نصر حامد أبوزيد و محمد أركون و عابد الجابري.... و ألقى فيها الشعراء قصائد التمرد و الثورة و الحب و الجنون كمحمود درويش و مظفر النواب و سميح القاسم.

في هذه اللحظة، التي انخرط فيها شعب تونس في الحداثة السياسية، و في ما بعد الحداثة الفلسفية، كان أشقاؤه العرب يتجادلون حول جنس الملائكة و إرضاع الكبير و أهلية المرأة في قيادة السيارة و تحريم "ميكي ماوس". غير أن الحال بدأ في الانحدار نحو لحظة تبدو مرعبة، إذ هي تهدد كل ما بني.

شهدت مدن تونس منذ مدة، حملة شرسة على بعض الأساتذة، الظاهر غيرة على الدين و عزة رسوله، و الباطن إحياء لمحاكم التفتيش. ومن الجهل ما يصيب بالعلة. لقد راهن بن علي على التجهيل و الاستبداد و هما يفرزان التعصب. فقد نمت منذ مدة ثقافة الاستماع و الإنصات، ووفدت على بيوتنا عبر شاشات التلفاز قيم "الإسلام النفطي الوهابي" الذي خلق ضربا من "سلفية" يتيمة متنكرة لأصول الذهنية الحداثية للمدرسة التونسية, لم تعد مرجعيات الجدل الفكر بالفكر و الحجة بالحجة و العقل بالعقل، بل صار التقويم الاخلاقوي هو الأساس، و أضحى الخبر المحرف من تلميذ لا يحسن الإصغاء حجة في يد من لم يقرأ كتابا أصلا، على قائله. فأهدرت دماء و أقيمت الخطب من أيمة طالما تغنوا بفضائل "السيد الرئيس" و أفتى "علماء الزيتونة و مشايخها" و هم الذين كانوا على موائد حامي الحمى و الدين و عتبات دور التجمع في مسامرات ليلية مدفوعة "الأجرين"، بضرورة الانتصار لام المؤمنين. و خرج قوم من جهالة الكتابة الى شوارع تونس في مسيرات، يتمنطقون السيوف في غزوة جديدة لكفار الحداثة.

إن ما يحصل مبك و مضحك في آن، مبك لأن الحرية التي ثار الناس من أجلها، كل لا يتجزأ: هي حرية تنظم و حرية تظاهر و تجمهر و اعتصام، حرية المطالبة بالحقوق الاجتماعية و النقابية و السياسية، حرية إعلام و صحافة، و لكنها قبل كل هذا حرية التفكير و التعبير. و قداسة الفكر الحر لا يجب المساس بها، و لا تركها أمرا مشاعا يستبد به من له، بدل قوة المنطق منطق العضلات و الصراخ و العنف. من بنزرت الى منوبة الى واد الليل الى قابس مرورا بشوارع المدن و الأرياف التونسية، من الأساتذة و الفنانين و الجامعيين و الصحافيين، من يسار الثورة الى ثقافة اليسار التقدمي و النقدي، جاءت الشهادات الحية على هذا المنطق الجديد. باسم "الدين الحق" و نصرة "المقدسات" ضجت الساحة، في عملية إعادة إنتاج رديئة لطقس سيادي محبب عند "العامة". المختلف "زنديق و مهرطق و مرتد" و سرعان ما تصدر الفتاوى ممن لم يقرأ في حياته فتوى، لتأكيد حكم المرتد و إقامة القصاص. إنها لحظة سريالية بامتياز مضحكة لأنها محلاة بالسواد.

و مما يزيد المشهد سحرا، إن لغة التكفير هذه، تتخذ في الصف المقابل زيا بائسا جديدا، فقد عادت الى معجم اليسار بدائل" التكفير الأحمر" و تمت إعادة الحياة الى أرثدوكسية يسراوية طفولية مقيتة، فبداعي النقاء الثوري و التمسك "بالسلف الثوري" عاد بعض من اليسار الى "التحريفية و أعداء الشعب و الطبقة العاملة" و انتصبت محاكم "الثورة و الكتب المحنطة" في المقاهي و على أرصفة الشوارع، تحتسي مع المشروبات الكسلى أعراض السياسيين و المثقفين و الصحفيين.

إنها لحظة ردة بامتياز. ردة عن أهداف الثورة. لحظة تهيمن فيها السلفية البائسة يمينا و يسارا، يصار فيها الى خنق حرية التفكير و الإبداع و الكلمة. سلفية يتيمة و مغتربة، يرمي أصحابها بقراءة شكلانية لنصوص مبدعة في التفكير، التفكير ذاته في غياهب المصادرة. و هي لحظة تحتم على الجميع، على أصحاب الفكر الحر و النقدي التصدي لهذه السلوكات و الممارسات الخطيرة، و من ثمة يصبح العقد الجمهوري الناظم للحياة السياسية و الفكرية أمرا ضروريا، و إني لا أحلم عندما أقول إن تكوين الجبهة الديمقراطية الواسعة، التي تضم كل أنصار الحرية و التقدم و قيم الحداثة و التنوير، إن لم تكن ضرورة سياسية، فهي ضرورة ثقافية بل حياتية.

المهدي عبد الجواد - أستاذ و باحث جامعي

الثلاثاء، 15 مارس 2011

"الأساتذة المطرودون لأسباب نقابية" سابقا : بيان إلى الرأي العام


"الأساتذة المطرودون لأسباب نقابية" سابقا :
بيان إلى الرأي العام

أخيرا، وبعد 3 سنوات ونصف من الطرد التعسفي، تمكنّا نحن -الأساتذة المطرودون عمدا لأسباب نقابية- من العودة المظفرة إلى سالف عملنا، هذه العودة التي كانت أحد ثمار ثورة شعبنا التي ننحني إجلالا لشهدائها البررة الذين لولاهم لما تمكن الشعب من نيل حريته وكرامته بعد عقود من الدكتاتورية والعسف والقهر. إن الثورة التونسية المظفرة أكدت أن إرادة الشعوب لا تقهر وهو ما أثبته شعبنا الصامد في كل جهات تونس ومدنها وأريافها، وأيضا في عديد الأماكن في وطننا العربي الذي نحيّي انتفاضاته في مصر وليبيا واليمن والبحرين والمغرب وعمان والجزائر..

إننا إذ نعود اليوم للعمل، نعود لتلاميذنا وزملائنا ومعاهدنا، ونسترجع حقا سلبته منا أجهزة الدكتاتورية، فإننا نؤكد للجميع أن ذلك ما كان ممكنا لولا الالتزام الحازم لقطاعنا المناضل وفي مقدمته نقابتنا العامة التي لم تدّخر جهدا من أجل إحقاق حقنا، فلها ولكل النقابات الجهوية والأساسية وكل أساتذة تونس كل التحايا والتقدير، نفس التحية نسوقها للقطاعات والهياكل النقابية التي ساندت قضيتنا منذ اليوم الأول لطردنا ونخص بالذكر نقابات التعليم الأساسي والصناديق الاجتماعية وأطباء الصحة العمومية والبريد والاتصالات والصحة والتعليم العالي ومتفقدي التعليم الثانوي والمالية، وكل هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل، الاتحادات الجهوية والمحلية التي أطرت تحركات المساندة خاصة بمناسبة الإضراب عن الطعام الذي خضناه طيلة 39 يوما من 20 نوفمبر إلى 28ديسمبر 2007 بمقر نقابتنا العامة وبتأطير منها، وبالمناسبة نحيّي الإطار الطبي وشبه الطبي الذي أشرف على متابعة وضعنا الصحي وفي مقدمته الدكتور سامي السويحلي والممرض زهير نصري.

إن الطرد من العمل الذي طالنا بسبب التزامنا النقابي وانخراطنا في معارك قطاعنا وخاصة إضراب 11 أفريل 2007، فضلا عن ماضينا النضالي صلب الاتحاد العام لطلبة تونس ومواقفنا السياسية المعارضة للدكتاتورية.

نفس التحية نسوقها إلى كل فعاليات المجتمع المدني والسياسي المحلي والدولي الذي ساند قضيتنا ورفض الاضطهاد الذي تعرضنا إليه، ونخص بالذكر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام لطلبة تونس والهيئة الوطنية للمحامين وجمعية مقاومة التعذيب ومنظمة حرية وإنصاف وجمعية النساء الديمقراطيات... وكل أحزاب المعارضة الجدية وصحفها ووسائل الإعلام الحرة وفي مقدمتها "قناة الحوار التونسي "التي نثمن عاليا الجهد الممتاز الذي بذلته من أجل العريف بقضيتنا منذ اليوم الأول لطردنا وخلال إضراب الجوع وإثره.

نحيي كذلك اللجان التي تكونت للدفاع عنا ومنها اللجنة الدولية التي كونها في باريس رفاقنا المناضلون السابقون بالاتحاد العام لطلبة تونس واللجنة الوطنية التي نسّق أعمالها المناضل والزميل عبد الرحمان الهذيلي.

ولا يفوتنا أن نعترف بالجميل لمن شد أزرنا في اللحظات العصيبة خاصة في إضراب الجوع الذي ما كان له أن يستمر لولا الدور المحوري الذي لعبته تلك المرأة الكادحة (أمي حبيبة) التي يعرفها النقابيون ويعرفون دورها أيام المحن التي عرفتها الحركة النقابية التونسية، لهؤلاء جميعا ولمن لم نذكرهم كل التحية والتقدير، وإننا سنبقى ما حيينا حافظين للجميل وللعهد، فلولا هؤلاء ما انتصرت قضيتنا وما استعدنا حقنا.

* عاش نضال أساتذة تونس.
*عاشت ثورة الشعب التونسي.

تونس في 14 مارس 2011
الأساتذة المطرودون لأسباب نقابية" سابقا

- معز الزغلامي
- محمد المومني -علي الجلولي


-------
ملاحظة : اذ نورد هذا البيان الذي انتظرناه طويلا فاننا نبارك للاخوة المناضلين عودتهم لسالف عملهم بفضل الثورة المباركة ثورة الحرية والكرامة التي قدم من اجلها خيرة شبابنا دمهم في سبيل هذه اللحظة الرائعة ..ونقول اننا كنا من السباقين على صفحات هذه المدونة الذين امنوا برسالتهم و كنا احد الذين عرفوا بقضيتهم للراي العام الوطني والدولي من خلال متابعة يومية وحينية لمستجدات اوضاعهم الصحية والمعنوية و هو ما بسببه تعرضت هذه المدونة للحجب 3 مرات ثم كان انقطاعها بعد ذلك واحتجابها عن الظهور ...حتى كانت عودتهم للعمل ..حافزا معنويا مهما جدا لنا لقرار عودة المدونة وكتبنا ذلك في ابانه ..ولكم العودة الى ارشيفنا وستجدون ما تم توثيقه عن الاضراب يوما بيوم حتى احتجابها وصنصرتها....
الى الامام ...معا نصنع غد الحرية الافضل ...