الخميس، 17 جانفي 2008

انظروا ما كتبه مراسل صحيفة هآرتس عن زيارة بوش للمنطقة


السعودية معفاة لانها تشتري الاسلحة الامريكية بمليارات الدولارات
بوش يبيع الديمقراطية للاعداء والفقراء
تسفي برئيل (*)

رئيس الولايات المتحدة لم يضطر لمعالجة قطاع مناطقي واحد. المقصود هو مطلب عدد من اعضاء البرلمان المصري، بإعادة أُم الرشاش، اي ايلات الي بلادهم هذا مطلب جديد، وصل الي العناوين في مصر في مطلع الاسبوع. اتباع مؤسسة الاقصي لترميم مقدسات الاسلام التي يترأسها الشيخ رائد صلاح، وجدوا في حفريات توسيع مقبرة في ايلات آثاراً يعتبرونها جثثا لجنود مصريين.
كان طلعت السادات تحديداً ابن عم الرئيس المرحوم هو الذي سارع الي المطالبة بإعادة الارض للمصريين.
ولكن الرئيس بوش وجد صعوبة حتي في معالجة المطالب الجدية لإعادة الاراضي الي اصحابها التي تعترف الادارة الامريكية بشرعيتها خلال فترتي ولايته المتعاقدتين، ناهيك عن صعوبة قيامه بذلك خلال زيارته البهيجة للشرق الاوسط. والضفة الغربية، والقدس الشرقية، هضبة الجولان ومزارع شبعا تعتبر كلها مناطق ضمن الصراع يتوجب حل الخلاف عليها من دول المنطقة، ولكن واشنطن غارقة حتي رقبتها في كل الصراعات. كلها هي عناصر لصراع واحد بين اسرائيل والعرب. ولكن حتي ان نجح رئيس امريكي أيا كان باستخدام كل علاقاته، فلن يتمكن من احداث التغيير الذي بني بوش ايديولوجيته عليه عندما انتخب رئيساً.
قادة هذه الايديولوجية الثلاثة يرفعون لواء مكافحة الارهاب، تلك الحرب التي ستخرج منها امريكا منتصرة: تسويق الديمقراطية بدول الشرق الاوسط الموسع ـ مصطلح ادخله بوش عندما ضمن المنطقة دولاً اسلامية مثل افغانستان وباكستان وماليزيا واندونيسيا ـ بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية الي جانب اسرائيل بالقضاء علي محور الشر، الذي تشارك فيه ايران وعراق صدام حسين.
مصر، السعودية، البحرين والكويت وباقي دول الخليج هي الساق العربية لزيارة بوش. كلها دول صديقة مقربة من امريكا، وفيها جميعاً لم ينجح بوش في بيع بضاعة الديمقراطية الامريكية. مصر تلقت من بوش توبيخاً لسجن نشطاء سياسيين مثل ايمن نور قائد حزب الغد او البروفيسور سعد الدين ابراهيم الذي هاجر من بلده بسبب مطلبه تنفيذ اصلاحات ديمقراطية. الكونغرس الامريكي يجمد مساعدة لمصر بسبب المس بحقوق الانسان، وكوندوليزا رايس عبرت علانية عن عدم رضاها من الاصلاحات التي عرضها الرئيس المصري حسني مبارك في 2005. كل هذه الامور لم تغير اسلوب الحكم بطريقة جوهرية ولم تتمخض عن فرصة كبيرة لتغييره في المستقبل.
ولكن مصر هي دولة فقيرة تعتمد علي طاولة واشنطن. الرئيس المصري يستطيع في اقصي الاحوال التعبير عن امتعاضه من الضغط الامريكي بالامتناع عن زيارة واشنطن. هنا يكمن الفرق بين مصر والسعودية. في مصر يوجد علي الاقل مشهد استعراضي لحرية التعبير الواسعة نسبياً ومظاهرات لعمال غير راضين ونشطاء سياسيين للمعارضة، والصحافة المكتوبة من كل نوع تغمر البسطات وسينما ناقدة ووثائقيه وقصصية وفتحٌ لحدود جديدة، ومعالجة مسائل مثل الفقر او الشذوذ الجنسي او الديني. أما في السعودية فكل هذه الامور ليست موجودة.
صناعة الافلام في السعودية مكبلة باغلال النظام وليست هناك دور عرض بالمرة. الصحف السعودية المطورة نسبياً مثل الشرق الاوسط او الحياة، تصدر في بريطانيا او امريكا ولكن ليس في المملكة نفسها، التي تسيطر فيها مؤسسة الحفاظ علي الاخلاق بيد قوية. النساء يُعتقلن اذا ما كن في رداء غير محتشم، والرجال يُعتقلون ويضربون ويموتون ايضا في التحقيق في مكاتب هذه المؤسسة. المناهج التعليمية في المملكة ما زالت تعتمد علي الكتب التي تشجب المسيحيين وتشتم اليهود، ليست هناك ادبيات توزعها المنظمات الراديكالية. وزارة التعليم السعودية هي المسؤولة عن هذه الكتب. ليس هناك ما يمكن الحديث عنه بالنسبة لوجود برلمان او انتخابات في السعودية. هل حاولت كونداليزا رايس الجريئة ذات مرة توجيه تأنيب ولو خفيف لطريقة الحكم السعودية؟ وهل تلقي تقرير حقوق الانسان الصادر عن الخارجية صدي ما في خطاب الرئيس؟ وماذا حدث للطواقم الامريكية التي تباحثت قبل عامين مع النظام السعودي بتطوير حقوق الانسان في الدولة؟
هل سمع احد ما عن هذه المداولات؟ ولكن السعودية تعتبر مثل مصر رغم ذلك دولة معتدلة، اي دولة تستطيع دفع عملية السلام والتأثير علي حل الازمة في لبنان او المساعدة في دفع المصالح الامريكية في العراق. وليس اقل من ذلك أهمية: هذه هي الدولة التي يمكنها ان تشتري الطائرات والاسلحة الامريكية بمليارات الدولارات من خلال مداخيلها الضخمة من النفط. كما ان محطة زيارة بوش الاخري للكويت التي نجت من براثن صدام حسين، لم تتحول الي رمز للديمقراطية. صحيح ان فيها برلمانا وانتخابات وكان في حكومتها امرأتان ولكن وضعهما سيئ جداً بفضل الكتلة الاسلامية بالاساس. معصومة لمبارك غادرت الحكومة بسبب كونها شيعية والثانية نورية الصبيح تواجه اجراءات إقالة بأنها لم تضع الغطاء علي رأسها عندما اقسمت يمين الولاء. الكويت ليست الدولة الاكثر سوء بكل ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الانسان، ولكن من يتمعن في تقرير حقوق الانسان الصادر عن الخارجية الامريكية لا يستطيع عدم الشعور بمغص البطن وهو يقرأ وصف الحالات التي يبتعد فيها القانون المتنور بسنوات ضوئية عن التطبيق العمليّ.
من الناحية الاخري في تلك الزوايا التي نجحت فيها الديمقراطية فعلا، ليس من المؤكد ان ادارة بوش راضية حقاً عما نتج عن ذلك مثلما حدث مع نتائج الانتخابات في السلطة الفلسطينية التي اوصلت حماس للحكم وتمخضت عن مقاطعة دولية للحركة. ما الذي يقصده بوش الان عندما يعبر عن تطلعه الي دولة فلسطينية ديمقراطية الي جانب اسرائيل؟ هل سيعارض إجراء انتخابات حرة في هذه المرة ايضاً ان انتصرت حماس فيها او كانت نتيجة لها جزء من البرلمان والحكومة؟

أي نوع من الديمقراطية

استياء الرئيس في هذا الشأن يذكر برد فعله علي نجاح الاخوان المسلمين في مصر في تشكيل كتلة ذات مغزي تضم 88 نائباً في اعقاب الانتخابات. ويبدو ان المسيرة الديمقراطية التي انتجت حكومة فاشلة في العراق ليست بالضبط طموح واشنطن. اذن فأي ديمقراطية بالضبط يقصد بوش؟ ربما الديمقراطية من الطراز الباكستاني، دول اخري تعتبر حليفاً استراتيجياً لواشنطن؟
واذا لم تكن الديمقراطية هي بالضبط الجائزة التي سيخلفها بوش في المنطقة بعد زيارته، فماذا يحصل مع الحرب ضد الارهاب؟ ليس كثيراً. بمعني، في افغانستان لا تزال تدور هذه الحرب للسنة السادسة وفي العراق لا تزال هناك سيارات مفخخة وقتلي كل يوم للسنة الرابعة ومع ذلك، فمقابل الوضع في افغانستان يوجد في العراق بعض التحسن. في الاسابيع الاخيرة كان هناك عدد اقل من الاصابات واعمال العنف، بفضل نشاط مليشيات عشائرية او قروية، طائفية او دينية، قررت أخذ الامور في ايديها والعمل ـ بتمويل امريكي ـ ضد خلايا القاعدة. واللاجئون الذين بدأوا يعودون الي منازلهم، وفي بعض أجزاء الدولة هناك احساس بتحسن الامن. ولكن هذا وضع هش يقيم اذرعا مسلحة بديلة لتلك الخاضعة للحكومة، التي لا تزال غير قادرة علي ان توظف قوات حقيقية لمكافحة الارهاب.
لإيران ايضاً دور في هذا النجاح، كما يعترف حتي الامريكيون. ومع ذلك فلا يمكن الشكوي من بوش بسبب الفشل في الحرب ضد الارهاب. فهذه حرب يكاد يكون من المتعذر الظفر بها، مهما كانت القوات النظامية التي ترسل اليها كبيرة، ولا سيما اذا كانت تأتي من الخارج. كما انه لا يمكن ان نأخذ علي بوش حقيقة انه في السنوات الاخيرة تحملت الولايات المتحدة وحدها تقريباً عبء الحرب المكثفة ضد الارهاب، سواء من ناحية المصادر التي توظفها لهذا الغرض ام من ناحية التصميم. وفي نفس الوقت فإن ادارة بوش نجحت في تشويش الفرق بين الانواع المختلفة من الارهاب وتلوين كل الارهابيين بلون واحد، اسلامي. بهذا الشكل نجحت تقريباً في الغاء الاحتمال لايجاد حلول سياسية لمشكلة الارهاب.
في العراق فهمت الادارة أخيراً ان لا مفر من ضم أعضاء من الامس كانوا يسمونهم ارهابيي البعث ، الي الحرب ضد ارهاب القاعدة. في الباكستان الارهاب لا يزال موضوعاً قومياً ـ طائفياً، في فلسطين يوجد للارهاب ذرائع سياسية وقومية وفي لبنان الارهاب ليس اسلاميا، بل سياسياٌ او طائفيا. ولكن من أجل التمييز بين انواع الارهاب والتصفية علي الاقل لأجزاء منه قابلة للتصفية فإن واشنطن ملزمة بالاجتهاد لحل النزاعات السياسية والقومية، وهذا لا يمكن تحقيقه في زيارات احتفالية. بدون التزام حقيقي لحلها، فإن واشنطن بوش ستجد صعوبة في الاشارة حتي الي انجاز في مجال الحرب ضد الارهاب.

(*) مراسل صحيفة هآرتس الإسرائيلية للشؤون العربية
هآرتس 11/1/2008

(المصدر: صحيفة "القدس العربي" (يومية – لندن) الصادرة يوم 14 جانفي 2008)

ليست هناك تعليقات: