الأربعاء، 30 جانفي 2008

الشيخ إمام عيسى : الاعمى الذي رأى كل شيء


عندما توفي الشيخ إمام عيسي في7 تموز (يونيو) 1995 نعته في صحيفة الأهرام مجموعة من رموز الثقافة المصرية والعربية في بيان مدفوع الأجر. وكتب أحد كبار كتاب هذه الجريدة يتساءل عن هذا المغني الذي منحه المثقفون لقب فنان الشعب ... هذا الشيخ الضرير الذي رأى بعينيه كل شيء :
- رأى ظلمة النور حيث فقد بصره عندما كان عمره شهرين .
- رأى الفقر والحرمان .في الكتاب حفظ القرآن و أجاده حتى بلغ من العمر 12 عاما. حيث كان يوجد في قرية " أبو النمرس" في ذلك الحين فرع للجمعية الشرعية و هي جمعية أنشأها في بداية القرن الشيخ محمود خطاب السبكي و هو أحد العلماء الدينيين و كانت الجمعية تتولى إيواء الفقراء و إطعامهم و يعيش في رحابها عدد من المقرئين و رجال الدين الفقراء .
- رأى التشرد حيث فصل و طرد من الجمعية دون استئناف لأنه ضبط متلبسا بسماع القرآن في الراديو و كان يجلس على المقهى. فبعد موت الشيخ السبكي تولى إدارة الجمعية ابنه و مجموعة من العلماء المتزمتين و كانو يرون أن قراءة القرآن في الإذاعة امتهان لكلمة الله , و أن سامع القرآن لا ينبغي أن يتسلى. فأصبح شيخنا بلا مأوى و لا مورد , رغم انه طلب الغفران و الصفح فلم يستمع إليه أحد. فكان يمضي النهار متجولا في شوارع الغورية و الأزهر و الحسين و يقضي الليل في جامع الأزهر. و بعد تشرد ساقته قدماه إلى حجرة صغيرة في الغورية كان يقرأ القرآن في البيوت و الدكاكين مقابل الطعام أو قروش قليلة.
- رأى وعايش أصول الإبداع الموسيقي حين تعرف صدفة على الشيخ زكريا أحمد و هو أحد الملحنين الذين حافظوا على تراث الموسيقي العربية من الاندثار, و استمع إلى الشيخ محمود صبحي و هو صديقه و رفيقه.و كان عدد كبير من الفنانين يعيشون في حوش قدم و الفحامين. حين كان الشيخ زكريا يضع لحنا لأم كلثوم فكان شيخنا يحفظه و يؤديه .
- رأى الزواج والطلاق في شهر واحد اذ زوجته أمه لرغبة منها من إحدى معارفها ونزولا عند رغبة الأم تزوج شيخنا وطلق في نفس الشهر من سنة 1945 ولم يكرر بعدها الفعلة ( أسوة بالمعري ربما ) .
- رأى التألق والنجومية مع صديقه نجم الذي التقاه سنة 1962 .سأله. لماذا لا تلحن؟ فقال شيخنا بضرب من الخجل من الفكرة, لأنه لا يجد الكلمات. فرد نجم على الفور:بمقطوعة عاطفية من كلماته لحنها على الفور.( اسمها أنا أتوب عن حبك أنا .. أنا لي في غيرك هنا ) .
- رأى مع نجم الاعتقال والسجن والتعذيب وزار كل سجون مصر خاصة بعد هزيمة حزيران حين غنى يا محلى رجعة ضباطنا من خط النار وغنى بعد ذلك أغنية بقرة حاحا و أنا الأديب التي تهجم فيها صراحة على ضباط الثورة وحملهم مسؤولية هزيمة حزيران وخاصة حين يقول : يا شعب ثور داهية تسمك ... وشيل اصول اسباب غمك..عصابة بتمص في دمك والاسم قال ضباط احرار ... شيلوا القطيع النكساوي اللي لا عايز ولا ناوي يرحل ويكفانا بلاوي من تحتو راسو ذل وعار وبعدها اقسم جمال عبد الناصر ان لا يخرج نجم وامام طالما هو على قيد الحياة ..
... في المعتقل كان الجنود و الضباط يستمعون خلسة الى الشيخ امام وهو يغني. وكان التحقيق معه يدور في الجزء الأكبر حول مغزى ما يقوله. و كانت شهادته و أقواله غناء.

بهذه المناسبة اهدي لمحبي هذا الشيخ وانصافا له اعماله الكاملة التي اتقن صديقنا كريم السمعلي في تخزينها وحفظها في موقع الملتقى وكذلك ما تفضل به احد اعضاء منتدى سماعي اخيرا .

هناك تعليقان (2):

brastos يقول...

مشكور جدا على هذه الالتفاتة .. و على الروابط

غير معرف يقول...

عرفت الرّجل و أحببته و مازلت حزينا على رحيله...