الجمعة، 4 جويلية 2008

الجنسانية في الاسلام ؟؟؟



تعتبر المسالة الجنسية من التابوهات الممنوعة على العوام في مجتمعاتنا بل هي احدى الخانات السوداء المحكمة الاستغلاق بعبارة ميشال فوكو وسماها الاستاذ بوعلي ياسين احد زوايا الثالوث المحرم .لذلك لا يتم الحديث عنها الا سرا مع ان اهم الكتابات الرائجة في تاريخنا كانت تلك التي تتناول هذه المسائل وسأتي في تدوينة لاحقة للحديث عن هذه المسالة من خلال قراءة لكتابات اهملت رسميا وان راجت بشكل كبير عند القارئ العربي شأن كتاب الروض العاطر للنفزاوي او تحفة العروس ونزهة النفوس للتيفاشي او حتى الف ليلة وليلة .لكني ارتأيت أن أقدم هذه الدراسة للقارئ العربي للدكتور عبد الصمد الديالمي وعنوانها " سلام ضد الجنس ".لاني ساحيل عليها بعد ذلك .

سلام ضد الجنس - د.عبد الصمد الديالمي - جامعة فاس


يرى عبد الوهاب بوحديبة في كتابه عن "الجنسانية في الإسلام" أن القرآن أخذ على عاتقه تنظيم وتقنين النشاط الجنسي لا لكون الجنس يضمن التعمير فحسب، وإنما لكونه يشكل متعة في حد ذاته. "إن محمد نفسه أعطى المثال للفقهاء وللقضاة وللشيوخ، حيث كان يحرض أتباعه على تعاطي الجنس، وعلى الملاعبات، وعلى مجون الجسد والخيال" (ص 171)، سواء مع الزوجة أو مع الجارية، أي في إطار شرعي يقي من الوقوع في المحرم وفي الشعور بالخطيئة. من هنا يستنتج بوحديبة أن الإسلام-النص غير مسؤول عن الاستغلال الجنسي الذي عرفته المرأة في المجتمعات الإسلامية، وبالضبط عن تطور الزنا والبغاء. إن حدوث هذه الظواهر في تاريخ المجتمعات الإسلامية لدليل قاطع على عدم احترامها لتعاليم الإسلام-النص.

خلافا لهذا الموقف الذي يبرأ الإسلام-النص من الاستغلال الجنسي للمرأة، تذهب فاطنة آيت الصباح[1] إلى الموقف المضاد تماما، أي إلى اتهام النص الإسلامي نفسه من جهة، والى القول باستمرارية عميقة بين النموذج المُمجّد وبين الواقع (التاريخي) المتهم. ففي نظرها، لا ينتج استغلال المرأة جنسيا من سوء تطبيق تعاليم الإسلام، بل إنه على العكس من ذلك امتداد لتلك التعاليم. في هذا السياق، تقر فاطنة آيت الصباح أن القرآن يشيئ المرأة ويحط من قيمتها في الآية التالية مثلا: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث. ذلك متاع الحياة الدنيا. والله عنده حسن المآب" (سورة آل عمران، الآية 13). في هذه الآية، ترى آيت الصباح أن المرأة توضع في مستوى الخيرات المادية (الذهب، الفضة، الحرث)، وفي مستوى الحيوان (الخيل والأنعام). إنها مثل الأشياء والحيوان "متاع الحياة الدنيا". بعد تحديد المرأة قرآنيا كشيء، هل يجوز الحديث عن فعل جنسي باسم القرآن؟ هل يمكن حدوث فعل جنسي بالمعنى الحقيقي للكلمة؟ تجيب آيت الصباح : "في العالم الأبيسي، لا يشكل الفعل الجنسي فعلا يجمع بين عشيقين يتمتعان معا بالإرادة، إنه فعل استمناء ذكري باستعمال شيء اسمه المرأة، فهذه كثيرا ما تقارن بأشياء جامدة وتصنف ضمن الممتلكات" (ص. 77). كيف يمكن إذن القول بقطيعة بين التصور القرآني وبين التنظيم الأبيسي للجنس؟ في كلتا الحالتين، تعتبر المرأة متاعا وجمادا. في كلتا الحالتين، تظل المرأة غائبة كذات وكإرادة وكرغبة عن الفعل الجنسي. وترى آيت الصباح أنه "داخل الخطاب السني، يتحقق الرجل المتحرك الحي عموديا في عالم يتحكم فيه بفضل إرادته، بيد أن المرأة تظل محرومة من الإرادة، أفقية وجامدة. إنها تستسلم للقوة التي تحرك الكون، القوة الذكورية، ويتحقق مبدأ السيطرة في/وبواسطة الفعل الجنسي، كما يظهر ويستمر في الوجود المبدأ التراتبي الذي هو العالم الأبيسى" (ص.78).إن تشييء الفعل الجنسي لا يقف عند حدود تشييء المرأة. فالتشييئ يستحيل أن يبقى جزئيا، إنه يشمل العلاقة بأكملها وينسحب على الرجل كذلك في نهاية المطاف. إن الفعل الجنسي المشيئ من طرف البطريركية والإسلام معا فعل يعاني من الإخصاء، فهو فعل مبتور من وظيفته الإنجابية لدى المرأة ومن وظيفته اللذية عند الرجل. كيف ذلك؟في إطار المنطق القدسي، لا يشكل الفعل الجنسي وسيلة ضرورية للإنجاب، بل يصبح شيئا غير ضروري عندما تنجب العجوز (أم إسحاق)[2] والعذراء (مريم) والمرأة العقيمة (زوجة زكرياء). هناك إذن إنجابية تخضع لمنطق فوقي غيبي أكثر مما ترجع إلى آليات بيولوجية بسيطة. فليس من الأكيد أن تحمل المرأة الشابة المتزوجة، وإن كانت ولودا، إذا تعارض ذلك مع الإرادة الإلهية. تستخلص آيت الصباح من هنا أن الله هو المنجب الحقيقي في نهاية التحليل. وما المرأة إلا وعاء خاضع لمشيئة الله : "لله ملك السموات والأرض. يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما. إنه عليم قدير" (سورة الشورى، الآيتان 45-46). إن القوانين الطبيعية تصبح غير ذات مفعول أمام الإرادة الإلهية إلى درجة يمكن فيها الحديث عن بيولوجية قدسية معكوسة تجعل من المعجزة موضوعها الأساسي، وتحول الطاعة والاستسلام إلى شروط كافية لحصول للإنجاب. من هنا، يبدو أن الإنجاب يرتبط بمفهومي الجزاء والعقاب أكثر مما يتصل بالفعل الجنسي وبقوانين الطبيعة. ومن ثمة، يجوز القول، في اعتقاد آيت الصباح، بأن الفعل الجنسي الإسلامي مبتور من بعده الإنجابي.و يشمل هذا البتر البعد الأساسي الثاني في الفعل الجنسي أيضا، وهو بعد الرغبة والمتعة. فالفعل الجنسي في الإسلام لقاء رباعي حسب آيت الصباح : أنه لقاء بين الرجل والمرأة والشيطان والله. إن لقاء مثل هذا لخطر على المؤمن من حيث أنه يفقده عقله وملكة التحكم في نفسه لأنه لقاء مع الشيطان. من أجل ذلك، نجد الإمام البخاري مثلا يحث المؤمن على ذكر اسم الله عند بلوغ الذروة الجنسية. أما الإمام الغزالي فإنه ينص على ضرورة الذِّكر من بداية الفعل الجنسي إلى نهايته. إن أقل ما يمكن قوله بصدد تلك الأذكار "أنها تتطلب حضورا فكريا مناقضا للتركيز الذي يلزمه مثل هذا الفعل على جسد المرأة" حسب آيت الصباح (ص. 183). من هنا، يصبح الفعل الجنسي فعلا ميكانيكيا عضويا يقوم به المؤمن وهو في حالة شرود ولامبالاة. كيف يمكن في هذا الوضع أن تنشأ علاقة عاطفية عميقة بين الرجل والمرأة؟ في الواقع، لمثل تلك العلاقة مكانة في الطرح الإسلامي لأن العلاقة الحقيقية لا تحدث بين الرجل والمرأة وإنما بين الرجل والله. من أجل ذلك، هناك تقنيات مؤسساتية تحول بين المؤمن وحب المرأة، من بينها الطلاق والتعدد. إن سهولة الطلاق (في نظر آيت الصباح) تسمح للرجل بتغيير زوجاته بإيقاع سريع، الشيء الذي يعوقه عن ربط علاقة عاطفية ومستمرة مع زوجة ما، كما أن تعدد الزوجات في آن واحد يحقق نفس الهدف. واضح من هنا أن المقصد الحقيقي لمؤسستي الطلاق والتعدد هو تحويل طاقة المؤمن العاطفية عن المرأة وتوجيهها نحو العبادة.خلاصة هذا الطرح أن النشاط الجنسي ظاهرة سلبية في المنظور الإسلامي حسب آيت الصباح. ومن ثمة، فإن "العلاقة الجنسية المثلى يجب ألا تكون علاقة بين رجل وامرأة يستطيعان تعبئة طاقتيهما العاطفية والفكرية من أجل الحصول على أجود متعة . يجب أن تكون العلاقة الجنسية المثلى مجرد تحريك للجسم باعتباره تركيبا عضويا منعدم الأساس العاطفي، ومتمركزا حول الأعضاء التناسلية" (ص. 195). من خلال هذا التصور العضوي للعلاقة الجنسية المثلى، يقضي الإسلام، في رأي آيت الصباح، على الرغبة، وبالتالي على العلاقة الجنسية الإنسانية. فالمرأة الشيء رهن إشارة الذكر، في كل الأوقات وفي كل الأوضاع. إنها الوعاء الذي يفرغ فيه الذكر طاقته الليبيدية حتى يتمكن من العبادة وهو مرتاح البال وغير متوتر. ما المرأة إذن سوى وسيلة تشكل الموضوع الفيزيقي لممارسة جنسية صنمية Fétichiste، وهي لا تتحدد إلا بالنسبة لهذه الجنسية الشيئية. لكن ما قول آيت الصباح في أقوال الفقهاء التي تنص على حق الزوجة في اللذة الجنسية وعلى واجب الزوج في تحقيق ذلك الحق؟ ففي حديثه عن آداب العشرة الزوجية، يكتب ابن عرضون ما يلي: "ثم إذا قضى وطره فليمهل على أهله حتى تقضي هي مهمتها، فإن إنزالها ربما يتأخر فيهيج شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها... والتوافق في الإنزال ألذ عندها". وذهب ابن الحاج في نفس الاتجاه حيث كتب: "وينبغي أن يراعي حق زوجته في الجماع وأن يأتيها ليصون دينها ويكون قضاء حاجته تبعا لغرضها". وقبل هذا وذاك كتب السيوطي قائلا : "ومتى اجتمع الماءان منه ومنها في الوقت الواحد كان ذلك هو الغاية في حصول اللذة والمودة والتعطف وتأكيد المحبة... ثم إن لم تحصل الموافقة والمقاربة في الإنزال كان بينهما بون بعيد فما أقرب تباعدهما وما أسرع الفرقة بينهما"[3]. انطلاقا من هذه التوصيات الفقهية، ألا نكتشف أن الإسلام-النص هو المؤسس الحقيقي لمعيار الذروة الجنسية (الإنعاض) المشتركة والمتزامنة كشرط أساسي في التوافق الزوجي؟ وأنه ساهم بشكل كبير في بناء الحداثة الجنسية...


[1] Fatna Aït Sabbah : La femme dans l"inconscient musulman Désir et Pouvoir. Paris . Le Sycomore 1982.

[2] -مثال زوجة إبراهيم وهي عجوز : "فبشرناها بإسحاق. ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا. إن هذا لشيء عجاب. قالوا أتعجبين من أمر الله". سورة هود، 69 71 .- مثال مريم وهي عذراء حامل : "قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسني بشر ولم أك بغيا. قال كذلك قال ربك هو على هين .. فحملته فانتدبت به مكانا قصيا" . سورة مريم،-18-20.- زوجة زكرياء وهي عاقر : " قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا"، سورة مريم، 3-7.

[3] انظر هذه النصوص في كتاب عبد الصمد الديالمي، "المعرفة والجنس ، الدار البيضاء، عيون المقالات، 1987، صص, 120-121.



هناك تعليقان (2):

عياش مالمرسى يقول...

مقال ممتع و ورّاني وجهة نظر و أفكار ما جاتش لبالي..شكرا..عجبتني فازة العلاقة الرباعية عند المسلمين صحيحة كي تجي تشوف..هاني توّا نقرا في كتاب "تاريخ الجنسانية" متاع ميشال فوكو شهيتني باش نكتب مقال في الموضوع..

abunadem يقول...

عياش
فعلا المسالة هاني ما ينجمش الواحد يفهمها كان اذا قرا فوكو ويعرف سلطة المسكوت عنه في ثقافتنا العربية